المسألة الرابعة [في أن العبادة شكر]
  قلت: وبما ذكرنا تعلم أن العبادة لا تكون إلا مسببة عن النعمة، اتفاقاً بين العدلية، وإنما الخلاف هل هي من جملة أنواع الشكر وداخلة في مسماه، أم لا؟ فالأولون جعلوها من جملة الشكر، والآخرون أجروها مجراه، وفرقوا بينهما بما ذكر، هرباً مما سيأتي من لزوم عدم استحقاق الثواب عليها، ومما مر من عدم حسن تكليف المنعم للمنعم عليه لأجل النعمة السالفة، وجعلوا الشكر مجرد الاعتراف بالنعمة، مع ضرب من الإجلال، والتعظيم.
  واعلم أنهم قد استدلوا على أن الوجه في وجوب العبادات كونها لطفاً من السمع بآيات منها: قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[العنكبوت: ٤٥]؛ ووجه الاستدلال بها أنه تعالى عقب الأمر بها ببيان فائدتها، وهو النهي المذكور، وليس ذلك إلا لكونها مسهلة لترك القبيح، فكأنها ناهية عنه، وهذا هو معنى اللطف، وإذا ثبت في الصلاة ثبت في غيرها من الواجبات؛ إذ لا فارق؛ وفي معناها من السنة مارواه أبو طالب في أماليه، قال: حدثنا أبو سعيد عبيد الله بن محمد الكرخي، قال: حدثنا أحمد بن يوسف بن خلاد، قال: حدثنا الحارث بن محمد بن أبي أسامة، قال: حدثنا أبو النظر، قال: ثنا بكر بن قيس، عن محمد القرشي، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن بلال، قال: قال رسول الله ÷: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وإن قيام الليل قربة إلى الله، وتكفير للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة لداعي الحسد».