مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من

صفحة 2028 - الجزء 4

  احتج الآخرون بأن المطلوب مطلق، والجزئي مقيد، والمطلق لا يدل على المقيد، فوجب أن يكون المطلوب هو المشترك وهو الماهية. وأجيب بأنا قد بينا استحالة طلب الماهية وطلب الشيء يتوقف على إمكانه، إما لأن طلب المحال قبيح كما هو مذهب المعتزلة، وإما لأن طلب الشيء يتوقف على تصوره، وتصوره فرع إمكانه.

  قال في شرح الغاية: على أنا لا نسلم عدم استلزام المطلق للمقيد فيما نحن فيه؛ لأن من لوازم الماهية طلب فرد منها لاستحالة وجودها في الخارج من دون فرد بالإجماع. إذا عرفت هذا فالمطلوب من قوله: {اعْبُدُوا} إيجاد فعل ممكن لا ماهية العبادة، لكنه يقال: هل تدل هذه الصيغة على الأمر بكل عبادة أم لا؟ اختار الرازي أنها لا تدل؛ لأن المعنى أدخلوا هذه الماهية في الوجود، فإذا أتوا بفرد من أفراد الماهية فقد أدخلوها في الوجود لاشتمال الفرد عليها، فيخرجون عن العهدة بالإتيان بالفرد.

  قلت: وهذا مع عدم القرينة المقتضية للتعدد، فأما هنا فالقرينة الدالة على تعدد العبادات وتقررها معلومٌ كتاباً وسنة.

  وأما الرازي فقد جعله من الأمر المعلق على علة، وهو يتكرر بتكررها اتفاقاً، وحاصل كلامه أن الأمر بالعبادة إنما كان لأجل كونها عبادة؛ لأن ترتب الحكم على الوصف يشعر بعلية الوصف، لاسيما إذا كان الوصف مناسباً كما هنا، فإن كون العبادة عبادة يناسب الأمر بها لأنها تعظيم الله وخضوع له، وكل ذلك مناسب في العقول،