تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  قلت: وبما ذكرنا عن السيد مانكديم، وأبي هاشم تعرف ضعف قول أبي علي، فإن قيل: إن مذهب أبي علي أن التروك أفعال، وأنه يمكن القادر بقدرة الخلو عن فعل الشيء، وفعل ضده فمن لم يفعل المعرفة فقد فعل ضداً لها، وهو المسمى تركها، فيكون الترك قبيحاً حقيقة، وأنتم تقولون: أن الترك كالقبيح من حيث أنه جهة كافية في استحقاق الذم، وإذا كان كذلك فقد صار أحدنا لا ينفك عن المعرفة إلا إلى ما يستحق به الدم.
  قيل: أما قوله إن الترك فعل، فغير مسلم، فقد أبطل الجمهور قوله أن القادر بقدرة لا يخلو من فعل الشيء وفعل ضده، بأن أحدنا قد لا يريد تصرفات الناس في الأسواق ولا يكرهها، فقد خلا عن الشيء وضده، لا يقال أنه لا يخلو عنهما إلا إلى ثالث، وهو الإعراض؛ لأنا نقول الإعراض ليس بمعنى؛ إذ لا يوجد من النفس ولا دليل عليه، وأما قوله إن الترك كالقبيح ... إلخ.
  فجوابه: أنه وإن كان كذلك، فإنا نقول إنما يكون عدم فعله للمعرفة كالقبيح إذا ثبت وجوبها، فلا يصح جعله وجهاً في وجوبها؛ لأنه دور.
  قال في المعراج: واعلم أن لأبي علي مذهباً آخر في وجه وجوب المعرفة، وهو أنها وجبت لدفع ضرر العقاب.
  قلت: إن أراد أنها جارية مجرى دفع الضرر كان كقول القائلين بأن وجه وجوبها كونها لطفاً، وإن أراد أنها دفع للضرر ورد عليه ما مرَّ من أن الذي يدفعه فعل الطاعة، وترك المعصية.