تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  كذلك إلا إذا عرفوا الله، وإذا قد عرفوه استدلالاً كان من البعيد أن يعرفوه من بعد ضرورة. واعترضه الإمام عز الدين فقال: كلام المؤيد بالله مستقيم إن أراد أنه يحصل لهم بعد أن صاروا أنبياء وأولياء، وبعد أن عرفوا الله استدلالا، فلا مانع منه، ولا وجه لاستبعاده، فإن ذلك منحة وموهبة لمستحقها، ومن الله به مزيد عناية، وإن أراد أن هذا الذي علم الله أنه سيكون نبيا أو ولياً لطفه في المعرفة الضرورية فيخلقها عند بلوغه حالة التكليف، فذلك داخل في حيز الإمكان، ولا مانع منه.
  الوجه الرابع: ذكره ابن متويه وهو أن هذا القول خارق للإجماع فإنه منعقد على استواء حالهم في ذلك، فمن قائل: إنها ضرورية في حق الجميع، ومن قائل بأنها استدلالية مطلقاً، وإحداث قول ثالث خروج عن الإجماع. وأجيب بأنا لا نسلم الإجماع، سلمنا فإنما منعوا من إحداث قول ثالث إذا كان رافعاً للقولين، وهذا لا يرفعهما، بل أخذ من كل قول بنصيب. هذا وأما القائلون بأن العلم الجملي صر حاصل ضرورة، فقد مرَّ وجه قولهم، وحاصله: أن العلم بأنه لا بد من مؤثر في العالم حاصل ضرورة، ولا يبعد الإجماع على ذلك، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٢}[الفاتحة]. وأما ما ذهب إليه الصوفية، فقد أبطله الإمام يحيى بأن العقائد الحاصلة عن التصفية إما أن تكون من فعل الله تعالى أو من فعلنا، إن كان الأول لزم كونها ضرورية، وقد تقرر فساده،