المسألة السابعة [وجوب النظر]
تنبيه [في بيان هل المعرفة ضرورية في دار التكليف]
  قد مرَّ أن مذهب الجمهور أن الله تعالى لا يعرف ضرورة في دار التكليف، وقد عرفت أدلتهم على ذلك، وأما في الدار الآخرة فقالوا: إنه تعالى يعرف ضرورة، وكذلك المحتضر يعرفه تعالى ضرورة، ذكره السيد ما نكديم، وخالف في ذلك أبو القاسم البلخي فقال: إنه تعالى لا يعرف إلا دلالة في الدنيا والآخرة، واحتج على ذلك بأن ما يعرف دلالة لا يجوز أن يعرف إلا دلالة، كما أن ما يعرف ضرورة لا يجوز أن يعرف إلا ضرورة.
  والجواب: أن نقول ما أردت بقولك لا يجوز هل نفي الصحة، أم نفي الوجود، فإن أردت الأول فهو باطل لأنه قد ثبت أن العلم من أجناس المقدورات، فلا يخلو إما أن يدخل جنسه تحت مقدورنا أو لا، إن لم يدخل وجب أن يكون الباري تعالى قادراً عليه وإلا خرج عن كونه مقدوراً أصلاً، وهو باطل، وإن دخل تحت مقدورنا فالباري بأن يكون قادراً عليه أولى، وإذا ثبتت قدرته عليه صح أن يوجده فينا، وإذا أوجده كان ضروريا، وإن أردت الثاني وهو نفي الوجود، فهو باطل أيضاً؛ لأن أهل الآخرة إن كانوا من أهل الجنة فلا بد من أن يعرفوا الله تعالى، وإلا لم يعرفوا استحقاق الثواب من جهته، فيحصل تجويز انقطاع نعيمهم، وفي ذلك تنغيص وهو منفي عنهم، وإذا كان لا بد من المعرفة وجب أن تكون ضرورية؛ لأنها لو كانت نظرية لكان فيها تتنغيص ومشقة.