مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من

صفحة 2107 - الجزء 4

  الصفتين، وليست ذاته نفس هذا الانتساب؛ وبيان استحالة التصديق به وبصفاته أن التصديق متوقف على التصور، فإذا استحال التصور استحال التصديق. لا يقال: ذاته تعالى وإن لم تكن متصورة بحسب الحقيقة المخصوصة، فهي متصورة بحسب لوازمها من التنزيه، ووجوب الوجود، ونحوهما، فيحكم على هذا المتصور؛ لأن نقول: هذه الأمور إما أن تكون نفس الذات وهو محال، أو أمور خارجة عنها فلا يمكن العلم بكونها موصوفة بها؛ لأن العلم بالصفة تابع للعلم بالذات.

  ثاني الوجهين: أن أظهر الأشياء عندنا ذات الإنسان المشار إليها بقولنا: أنا، وقد تحير الناس فيها كما مر فكيف بأبعد الأشياء مناسبة عنا وعن أحوالنا.

  والجواب من وجهين:

  أحدهما: في إقامة البرهان على أن النظر الصحيح يولد العلم؛ لأن بثبوته يبطل ما ذهبوا إليه؛ لما مر في المقدمة من أن الدليلين إذا كانا في طرفي نقيض، وثبت أحدهما فإنه يبطل الآخر. والذي يدل على إفادته العلم أن العلم يقع بحسبه في القوة والجلاء، فمن كان نظره أكمل كان العلم في حقه أجلي. ويدل عليه أيضاً أن العقلاء يفزعون عند التباس الأمور إلى النظر، فلولا أن العلم متولد عنه لما وقع بحسبه، ولما فزع العقلاء إليه.

  فإن قيل: فهلا كان النظر طريقاً إلى العلم، لا مولداً له.