مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من

صفحة 2159 - الجزء 4

  الدليل الثاني من دلائل الآفاق: جعل السماء بناء، والكلام فيه كالكلام في الأول فإنه كان يمكن أن تجعل على غير هذه الصفة بأن تكون قراراً، أو غير بناء، فاختصاصها بالكون على هذه الصفة لا بدفيه من أمر كانت لأجله كذلك، لما تقرر من أن الممكنات لا بد لها من مرجح يرجح أحد طرفيها على الآخر، ولا يصح أن تكون لمجرد الجسمية لتماثل الأجسام فلا بد من أمر زائد، وهو المعني بقولنا صانع العالم، وليس ذلك إلا لله الواحد، الفرد، الكبير، المتعال، وفي قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بِنَاءً}⁣[البقرة ٢٢] إيقاظى وإرشاد لذوي العقول إلى النظر في ذلك الخلق العظيم، والاستدلال به على وجود الصانع الحكيم، والإقرار الذي لا يتطرق إليه الإنكار بقدرته العظيمة، وحكمته البالغة، وذلك أن المعلوم أن كل بناء مرتفع لا يتهيأ إلا بأساس مستقر على الأرض، أو بعمد وأطناب مركوزة فيها، والسماء في غاية ما يكون من العظم، وفي سبع طباق بعضها فوق بعض، وعليها من أثقال الأفلاك وأجناس الأملاك، وأجرام الكواكب التي لا يعبر عن عظمها، ولا يحصى عددها، وهي مع ذلك بغير أساس يمسكها، ولا عمد تقلها، ولا أطناب تشدها، وهى لو كانت بعمد، وأساس كانت من أعظم المخلوقات، وأحكم المبدعات، فكيف وهي عارية عن ذلك مسكة بالقدرة الإلهية {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا}⁣[فاطر: ٤١].

  الدليل الثالث: إنزال الماء من السماء، وما أخرج به من الثمرات العظيمة ذات المنافع الجسيمة، ووجه الدلالة من هذا على الصانع المختار ظاهرة، فإن حصول المطر بعد أن لم يكن يدل بالضرورة