تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  على أنه لابُدَّ في حدوثه من أمر؛ لأنه من جملة الممكنات على ما مرَّ قريبا، والباء في به للسببية، أي أخرج بسبب ذلك الماء من الثمرات رزقا لكم. وقد أورد هَاهُنَا سؤال وهو أنه لما كان الباري جلَّ وعلا قادراً على خلق هذه الثمار بقدرته ومشيئته، فما الحكمة في جعل الماء سبباً في خروجها وتراخيها المدة الطويلة؟
  والجواب؛ لا شك أنه قادر على أن ينشئ الأجناس كلها بلا أسباب، ولا مواد ولا تراخ كما أنشأ نفوس الأسباب والمواد، لكن له تعالى فيربط المسببات بأسبابها مدرجاً لها من حال إلى حال، وناقلاً لها من مرتبة إلى مرتبة حكما بالغة علمها من علم، وجهلها من جهل، لكن الواجب على الجاهل أن يسلم للحكيم حكمته، وأن يرجع باللوم على العجز عن إدراك وجهها إلى نفسه، وقد ذكروا في الحكمة فيذلك وجوهاً: أحدها، وهو أحسنها: ما في ذلك من الدلالة الواضحة على الصانع المختار، وزيادة اليقين به، والسكون إلى عظيم قدرته، وغرائب حكمته؛ فإن في إنزال المطر من السماء من الدلائل البينة ما يضطر العقول إلى الإقرار بأن محدثاً أحدثه حكيماً، قديراً، عليماً، رؤوفاً، رحيماً! انظر إلى تغير أحوال الهواء بالغيوم، والصواعق، والبروق العجيبة، المتتابعة، المختلطة بالسحاب الثقال، الحاملة للماء الكثير، المطفئ بطبعه النار المضادة له، وما في الجمع بينهما، وإنشائهما(١) من الدلالة على العزيز الحكيم. انظر إلى ما في إنزال الماء من ذلك
(١) أي ما بين الماء والنار، والمراد النار التي في السحاب وهي نار البرق والصواعق. تمت مؤلف.