تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  السحاب من الحكمة، والدلالة على اللطيف الخبير، انظر كيف لا تختلط قطرة بأخرى، ولو اعتدت الرياح العواصف، انظر كيف صغرت القطر، وكثرت، وتقاربت حتى تقع متفرقة غير ضارة، ولو اجتمعت لعظم ضررها، تفكر في نزول البرد الشديد المستحجر في أوقات الخريف الذي لا يجمد فيه الماء مع أنه لا يجمد في أوقات الغيم، سواء كانت في الشتاء، أو في غيره لرطوبة الغيم، فمن أين جاء البرد المستحجر، والماء إذا جمد لا يكون على صفة البرد أبداً، ثم ارجع البصر كرتين، وانظر فيما في إخراج الثمر بذلك الماء من الدلالة على القوي المتين، فإن في إخراج الثمرات مع اختلافها جنساً، ونوعاً، ولوناً وطعماً، وكبراً، وصغراً وغير ذلك من الصفات والأعراض بذلك الماء الذي اتحد جنساً وطبعاً، كما قال تعالى: {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ}[الرعد: ٤] من الدلالة على القادر المدبر ما يبهر العقول، ويدحض شبه أهل العناد من الطبائعية وغيرهم؛ وما أحسن ما قال الإمام المرتضى محمد بن يحيى(١) # في كتاب الإيضاح، ولفظه: ألا ترى إلى ما صنع من غذاء الأشجار، بما نزَّل من الأهوية من الأمطار، وأجرى من ماء العيون والأنهار، وصلاح الحيوان والثمار،
(١) الإمام المرتضى لدين الله محمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم #، أبو القاسم، جبريل أهل الأرض، أحد أئمة الزيدية وعظمائها الأفذاذ. ولد سنة (٢٧٨ هـ). دعا بعد وفاة أبيه، ثم تخلى عن الإمامة. وله مؤلفات في مختلف الفنون ومنها كتاب (الأصول) في العدل والتوحيد، وكتاب (الإيضاح) في الفقه، وكتاب (الرد على الروافض)، وكتاب (الرد على القرامطة)، وكتاب (الشرح والبيان) ثلاثة أجزاء، وكتاب (تفسير القرآن) تسعة أجزاء، وغيرها كثير، توفي سلام الله عليه سنة (٣١٠ هـ) وقبره بمشهد أبيه مشهور مزور.