تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  وجعل في الأشجار مداخل للمياه، بمنزلة الحلوق والأفواه، فجعل لكل حبة من الثمر مسقىً، وجعل للماء طرقاً، وأجرى ذلك بلطفه في العروق، وجعلها بمنزلة الحلوق، وليس من طبع الماء أن يتصعد علواً، ولا يسمو إلى أعالي الشجر سموا، وإنما طبع على الثقل والانحدار، وعلى الثبات في الأرض والقرار، فلما رأيناه يطلع إلى بواسق الأغصان، علمنا أن ذلك من الواحد المنان الرحمن.
  الوجه الثاني: أن الله تعالى أجرى العادة بأن لا يفعل ذلك إلا على تدريج وترتيب؛ لأن المكلفين إذا تحملوا المشقة، وكدوا أنفسهم حالاً بعد حال؛ علموا أنهم لما احتاجوا إلى تحمل المشقة في طلب المنافع الدنيوية، فلأن يتحملوا مشاق أقل منها في طلب المنافع الأخروية لأولى وأحرى، كما قيل: أنه أجرى العادة بتوقف الشفاء على تناول الدواء؛ لأنه إذا تحمل مرارة الأدوية لدفع ضرر المرض كان تحمل مشقة التكليف لدفع ضرر العقاب بالأولى.
  قلت: وهذا الوجه لا يناسب ما نحن فيه؛ لأن الكلام في وجه الحكمة في جعل ماء السماء سبباً في خروج الثمرات، وهذا إنما هو في بيان الحكمة في توقف حصول الثمرات ونحوها على أعمال العباد من الحرث والغرس، لكنه يقال؛ قد تضمن إثبات الحكمة في إثبات الوسائط والأسباب، والأولى أن يقال في هذا الوجه كما في البلغة: إن الله تعالى لما أجرى العادة بأن يخرج الثمرات بعد وقوع المطرِ حسنٍ أن نقول: أخرج بالمطر الثمرات والنبات، وإن لم يكن المطر سبباً موجباً له؛ كالاعتماد الذي يولد الكون، والكون الذي يولد التأليف،