الفصل الثاني: في تحقيق مسألة أفعال العباد
  واعلم أن هذا الذي أوردناه عن القائلين بأن العلم بأنا الموجدون لأفعالنا ضروري، إنما هو تنبيه على ما ادعوه من الضرورة وتنفل ببيان الدليل على دعواهم، وتوصل إلى قطع شبه الخصم وبيان فضيحته، وإلا فالضروري لا يفتقر إلى الدليل.
  قالوا: والشبه التي تعلق بها المجبرة لا يجب الجواب عنها وإن قدحت؛ لأن ما قدح في الضروريات لا يلتفت إليه، ولا يعرج عليه للقطع بصحة ما قدح فيه.
  وللإمام (المهدي) # في بيان كون العلم بذلك ضرورياً طريقة أخرى، وذلك أنه قال: التحقيق أن الذي نعلمه ضرورة هو وقوف أفعالنا على دواعينا ووقوعها مطابقة لها، وهذا لا يدخله تشكيك، وأما كوننا الموجدين لها أم الباري تعالى هو الموجد للداعي إليها، والموجد لها مطابقة له، فذلك يقبل التشكيك لأنه يحتاج إلى تأمل، لكن ينظر هل العلم الحاصل بأنا الموجدون لأفعالنا بعد التأمل متولد عن دليل ومقدمات بعضها لا يعلم إلا بالدلالة أم حصوله بعد التأمل ضروري، كما أن بعض الضروريات تحتاج إلى مراجعة النفس والفكر اليسير.
  قال #: والأقرب أن هذه المسألة إما من هذا القبيل، أو من باب إلحاق التفصيل بالجملة؛ لأن العلم بها يتفرع على مقدمات ضرورية، فهاتان طريقتان:
  الطريقة الأولى: أن نقول قد تقدم أن هذا العلم يفتقر إلى أدنى