الفصل الثاني: في تحقيق مسألة أفعال العباد
  تأمل؛ لأنه يقبل التشكيك، وأما كونه بعد التأمل ضرورياً، فإنا إذا تأملنا وجدنا من أنفسنا أنه كان يمكننا ترك ما قد وقع منا وإن لم نضطر إلى أنه وقع بحسب دواعينا(١) ولا ينازع في ذلك إلا سفسطي، لكن من قد سبق إليه قبل هذا التأمل شبهة دعته إلى اعتقاد كوننا مضطرين غير مختارين لم ينفعه هذا التأمل بعد ذلك؛ لأن من قد قطع بصحة شيء، أو فساده تعذر عليه النظر فيه؛ لأن النظر لا يصح إلا من مجوز غير قاطع، وهذا هو عذر المجبرة.
  قلت: فبهذه الطريقة يكون علمنا بإيجادنا لأفعالنا ضرورياً، لكن بعد أدنى تأمل لا بالبديهة كما قاله الأولون.
  الطريقة الثانية: جعل هذا العلم من باب إلحاق التفصيل بالجملة، وبيانه أن العقلاء يعلمون حسن الزجر عن القبيح، والتوبيخ عليه ضرورة وإن اختلفوا في تفسير القبيح، ويعلمون ضرورة قبح زجر الرجل عن طوله وسواده، وقبح توبيخه على ذلك، ثم إنا نعلم ضرورة أن وجه استقباحه كونه مضطراً إليه لا يمكنه الانفكاك عنه، لا وجه لاستقباحه سوى ذلك، ويتفرع على هذه المقدمات مقدمتان ضروريتان يتفرع عنهما العلم الثالث، وهو إلحاق التفصيل بالجملة، وبيانه أن كل ما اضطر إليه قبح التوبيخ عليه ضرورة، وفي أفعالنا ما لا يقبح الزجر عنه ضرورة كالظلم والكذب، فتحصل عن هذين العلمين علم ثالث، وهو أن في أفعالنا ما لا نضطر إليه،
(١) فكيف وعلمنا بأنه يقع بحسب دواعينا ضروري أيضاً، تمت منه مؤلف.