الفصل الثاني: في تحقيق مسألة أفعال العباد
  والخصم لا ينازع في كون العلم بالمقدمتين الأوليين ضرورياً، وإن نازع في تفسير القبح، وقال إنه صفة نقص، فمطلوبنا حاصل من غير لبس، فإن نازع في أي المقدمتين فذلك سفسطة ظاهرة، وكذا إن نازع في كون وجه الاستقباح(١) الاضطرار؛ لأنا نجد العلم الضروري أنه هو العلة، كما نعلم ضرورة أن العلة في تناول البهيمة العلف شهوتها، والمشكك في ذلك كالمشكك في المشاهدات أنها خيالات لا حقيقة لها.
  قال #: فهذه هي الطريقة المرضية عندنا، ولا أظن أبا الحسين أراد إلا ذلك، فإن قلت: فما هذا العلم الثالث أضروري هو أم استدلالي؟ أم لا أيهما؟
  قال #: قد اختلفت أقوال مشائخنا في ذلك، لكن قد اتفقوا على الفرق بينه وبين العلم النظري بأن هذا مبتدئ ليس بمتولد عن النظر، واختلفوا في الموجد له هل هو الباري تعالى فهو ضروري أم أحدنا فليس بضروري، لكنه جار مجراه في أنه لا ينتفي عن النفس بشك ولا شبهة، بل هو كالملجأ إلى إيجاده مهما بقي معه العلمان الأولان(٢).
  قال #: وأي الوجهين ثبت في هذا العلم أعني كونه ضرورياً يحتاج إلى أدنى تأمل أم كان من باب إلحاق التفصيل بالجملة، فلست أقول إن المجبرة فيه جاحدون للضرورة مكابرون، بل أحملهم على ما
(١) أي وجه استقباح الزجر عن الطول ونحوه تمت مؤلف.
(٢) فقال أبو هاشم هو نفس العلم الجملي وقال الأكثر هو علم آخر دعا إلى إيجاده العلمان الأولان. تمت مؤلف.