الفصل الثاني: في تحقيق مسألة أفعال العباد
  قال (المقبلي): وهذا ضروري، ودان له كثير من الأشاعرة، وفروا إلى الكسب، وقد اعترض بعضهم هذه الحجة، فقال: ألستم تحمدون الله على الإيمان، وهو من فعلكم ومتعلق بكم، وتذمون على الإماتة بالغرق أو الحريق أو غير ذلك.
  والجواب: أن حمدنا لله تعالى ليس إلا على مقدمات الإيمان من الأقدار والتمكين والألطاف، وذلك موجود من قبله تعالى، وهو تعالى يحمدنا على فعله كما قال تعالى: {فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ١٩}[الإسراء]، ولهذا قال بعض أصحابنا، وقد أورد عليه هذا السؤال بحضرة بعض الأكابر، فقال: إنا لا نحمد الله على ذلك، وإنما الله يحمدنا عليه، فانقطع السائل، فقيل للمسؤل: شنعت المسألة فسهلت.
  قال (القرشي)(١): وصار الحال في حمدنا له تعالى على الإيمان كالحال في الوالد إذا اجتهد في تخريج ولده، وحسن تأديبه حتى يبدو صلاحه، فإنه يقال: هذا من أبيه، والمراد أنه تقدم من أبيه من العناية والرعاية ما كان سبباً في ذلك، ومثل هذا يقع الكلام فيمن ذم من وضع غيره في النار فحرق ونحو ذلك، فإن الذم لا يقع على الإماتة، بل على سببها.
  الحجة الثالثة: أنه يجب وقوع أفعالنا على مقتضى أحوالنا، فتوجد
(١) القرشي: هو العلامة الكبير يحيى بن الحسن الصعدي، من علماء الزيدية المشهورين، توفي سنة ٧٨٠ هـ.