تفسير قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين 23 فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار الت
  متباعدة، إلى غير ذلك من الغرائب، فيقال في ذلك كله: ليس من الخوارق في شيء، وإنما حصل ذلك لهم لما عرفوه من خواص الأشياء وكيفية تركيبها. كما يحصل للواحد منا معرفة الكتابة والبناء، وكيفية تركيب الحروف والأحجار، ونحو ذلك، فكما أن هذا لا يُعَدُّ خارقاً فيحق من لا يعرفه، فكذلك تلك الأمور التي ركبوها ورتبوها على وجه تحصل به ثمرة تلك الخواص المستودعة في مفرداتها أنها لا تكون خارقاً، ولذا فإن علمها عند أهلها، ومن كان عارفاً بأصولها بمنزلة عمل البناء ونحوه عند أهله؛ فتنبه لهذا فإنه مهم؛ وأيضاً لو كانت أمراً خارقاً لما أمكن تعلمها، ولما احتاجت إلى آلات وتركيبات مخصوصة.
  الثامن: أن الحيل التي هي من قبيل السحر والشعبذة لا حقيقة لها ولا أصل، وإنما ترى في الظاهر على وجه وهي في الحقيقة على خلافه، والمعجز على ظاهره؛ وما كان من الشعبذة على ظاهره كمن يمشي على يديه ورجلاه في الهواء ويمشي على الحبل الذي لا يعتاد المشي على مثله، ويقعد عليه، ويضطجع، مع كون ذلك صحيحاً محققاً. فسببه ما يتفق لبعض الناس من خفة البدن، وممارسة ذلك من وقت الصغر، مع اعتياده لغذاء مخصوص تتأتى منه هذه الأفعال، ولرياضة النفس وتعويدها الصبر على الأمور الشاقة تأثير عظيم في حصول ما يراد بالرياضة، فقد روي أن بعض الصوفية كان يتعود الصبر عن الطعام أربعين يوماً، وفي تذكرة داود الأنطاكي ما معناه أن بعض من يدعي التصوف يأكل طعامًا مخصوصًا - ذكره داود وقد زال عن ذهني