الفصل الثاني: في تحقيق مسألة أفعال العباد
  بحسب قصودنا ودواعينا، وتنتفي بحسب كراهتنا وصارفنا، فلولا أنها من فعلنا لما وجب فيها ذلك، كما لا يجب في ألواننا وقصرنا وطولنا.
  قال السيد (مانكديم): وهذه الطريقة هي المعتمدة، واعلم أن كثيراً من أصحابنا يزيد بعد قوله: وتنتفي بحسب كراهتنا وصارفنا مع سلامة الحال تحقيقاً أو تقديراً، وأرادوا بسلامة الحال زوال المانع، وخلوص الداعي من صارف يساويه، أو يزيد عليه، وأرادوا بالتحقيق فعل العالم المميز لفعله، وبالتقدير فعل الساهي والنائم، فإنهما لو كانا في اليقظة والتنبه لما وجد الفعل، ولا انتفى إلا بحسب الداعي والصارف المحقق عند الجمهور، خلافاً (لأبي الحسين)، فعنده أن دواعيهما وصوارفهما محققة؛ لأن الداعي قد يكون ظناً واعتقاداً، وهما صحيحان على النائم والساهي، وأجيب بأن الداعي فعل فإما أن يحتاج إلى داع آخر من فعلنا فيتسلسل، أو ينتهي إلى داع ضروري، وهو لا يصح لأن الله لا يفعل الظن في أحدنا، وكذلك الاعتقاد؛ لأنه لو فعله في النائم لكان علماً ضرورياً، والمعلوم خلافه، وأما القصد فلا يصح منهما فعله لاحتياجه إلى العلم.
  قلت: وفي هذا الجواب نظر، فإنه يلزم مثله في كل اعتقاد وكل ظن، فيؤدي إلى وجوب الحكم بانتفائهما مطلقاً، لأنه إذا انتفى كونهما من الباري تعالى تعين كونهما من العبد، والمفروض أن كونهما منه يؤدي إلى التسلسل، وقصر التسلسل على ظن الساهي والنائم واعتقادهما تحكم، فالأولى إما إثبات الداعي لهما كما سيأتي،