تفسير قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين 23 فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار الت
  الوجه الثاني: ذكره الإمام المهدي ونحوه للرازي في التفسير، وهو أن النبي ÷ لو كان هو الذي جاء بالقرآن من جهة نفسه لم يأمن أن يكون في العالم من يمكنه أن يفعل مثل فعله، ولا يمكنه القطع بعدم ذلك، كما أن أحدنا إذا قدر على أمر لم يقدر على مثله أحد من أبناء جنسه، فإنا نعلم ضرورة بأنه لا يقطع بأنه ليس في العالم من يقدر على مثله، وإذا كان النبي ÷ مجوزاً وجود من يقدر على مثل فعله، فالمعلوم من حاله في التنزه عن كل ما ينقصه ضرورة أنه لا يقدم على تحديهم، والإخبار لهم على سبيل القطع بأنهم لا يأتون مثله؛ لوفور عقله، وظهور فضله، وتباعده عما ينقصه أو يشينه، فلما تحداهم، وقرعهم بقوله: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا}[البقرة: ٢٤] ونحوها، علمنا أنه كان قاطعاً بصحة خبره ونبوته، وأنهم عاجزون عن معارضته، ولا يكون قاطعاً بذلك إلا إذا كان ذلك الكلام خارجاً عن طويق البشر.
  قال الإمام المهدي ما معناه: وفي إخباره على سبيل القطع بأنهم لا يأتون بمثل أصغر سورة ولو اجتمعوا - دليل قاطع على أنه عالم أنهم لا يقدرون على ذلك، وإلا كان متعرضاً لتجهيل نفسه، وتكذيبها، وبخسها على رؤوس العالم، والمعلوم ضرورة من حال كل عاقل أنه لا يرضى بتشويه نفسه بأنواع التشويهات، ولا يتعرض لأمر لا يأمن فيه أن يكون بسببه مشوهاً لنفسه، ومنقصاً لها، فكيف برسول الله ÷، ولو كان هو الذي جاء بالقرآن من تلقاء نفسه لعلمه وقطعاً أنه إذا قدر على جميعه فإنه يمكن غيره أن يأتي بقدر ثلاث آيات منه بالغة في الفصاحة مبلغه، كما نجد من أنفسنا العلم