مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين 23 فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار الت

صفحة 2294 - الجزء 4

  قلت: وما ذكره من صحة معانيه قيد معتبر لا بُدَّ منه.

  قال في (شرح شفاء القاضي عياض): ولا شك أن من يقول بإعجازه لبلاغته وأسلوبه يقول أيضاً: أنه بالنظر لمعناه؛ إذ لا يمكن قطع النظر عنه. والحجة لهذا القول ما ذكره الخطابي والزركشي في برهانه، وحاصله أن أجناس الكلام مختلفة، ومراتبها في درجات البيان متفاوتة، فمنها البليغ الجزل، والقريب السهل، والجائز الطلق الرسل، وهذه هي أقسام الكلام الفاضل المحمودة، فالأول أعلاها، والثاني أوسطها، والثالث أدناها وأقربها، وبلاغة القرآن قد حازت من كل قسم حصة وافرة، فانتظم بها بانتظام هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع الفخامة والعذوبة، وهما كالمتضادين؛ لأن العذوبة نتاج السهولة، والجزالة والمتانة يعالجان نوعاً من الزعورة، فكان اجتماعهما فضيلة اختص بها القرآن؛ ليكون آية بينة لنبيه ÷ في؛ وإنما تعذر على البشر الإتيان بمثله؛ لأن علمهم لا يحيط باللغة العربية وأوضاعها التي هي ظروف المعاني، وأفهامهم لا تدرك جميع معانيها، ووجوه نظمها، وارتباط بعضها ببعض، فيتوصلوا باختيار أحسنها إلى الإتيان بمثله، وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حاصل، ومعنى به قائم، ورباط لهما ناظم؛ وإذا تأملت القرآن وجدته استوفى ذلك كله ورقى لأعلى درجاته، ولا توجد هذه الفضائل الثلاث مجموعة في غيره، وإن وجدت متفرقة في أنواع كلام الفصحاء؛ إذ لا يقدر عليها مجتمعة إلا العليم القدير؛ فخرج من هذا أنه إنما صار معجزاً لأنه جاء بأحسن الألفاظ، وأبدع النظم والتأليف، وأصح المعاني من الدعاء