تفسير قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين 23 فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار الت
  قلت: وفيه نظر؛ فإنا نقول: إن إيجاد مثله غير داخل تحت قدر البشر، وعلومهم لا تحيط بما اشتمل عليه من أسرار الفصاحة والبلاغة، ولسنا نقول: إنهم سلبوا علوماً كانت حاصلة لهم قبل التحدي، وهؤلاء يقولون: إنهم سلبوا علوماً كانت حاصلة لهم كما مرَّ عن المرتضى.
  فإن قيل: إن لهم أن يقولوا: لسنا نريد بالصرفه سلب الدواعي ولا سلب العلوم، بل أردنا أنهم سلبوا القدرة عليه مع توفر الدواعي وبقاء العلوم وكانوا قادرين عليه، لكن كلما حاولوا إيجاد المثل منعوا، إما بأن يسكن ألسنتهم فلا يقدرون على الكلام عند محاولة المعارضة، وإما بأن لا يقدروا على الكلام الفصيح.
  قيل: لو كان ذلك كذلك لاشتهر؛ لأنه من الأمور المستعظمة التي تتوفر الدواعي إلى نقلها في العادة، وكيف لا يشتهر وهو المعجز في الحقيقة دون القرآن، ولأنه لو كان كذلك لوجده العرب من أنفسهم. واستنكروه من أحوالهم؛ ألا ترى أن أحدنا لو وجد من نفسه إمكان المشي يمنة فرسخاً وإذا أراد أن يمشي يسرة لم يقدر أن ينقل قدماً فإنه يظهر استنكاره، ويجد ذلك من نفسه، فكذلك حال العرب لو كانوا قادرين على مثل القرآن فإذا حاولوا معارضته منعوا، ولو وجدوه من أنفسهم لاشتهر وانتشر؛ إذ لا يصح أن يجد العرب كافة أقصاهم وأدناهم من أنفسهم هذا الأمر الخارق ولا ينقل عنهم الحديث في استنكاره والعجب منه، وبعد، فإن المعلوم من حالهم أنهم لم يمنعوا من الكلام الفصيح ولا غيره، بل كان يصدر منهم حال النبوة وبعدها.