تفسير قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين 23 فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار الت
  الوجه السابع: أن مسيلمة اللعين وابن المقفع وغيرهما قد تعاطوا معارضته فلم يأتوا إلا بما تمجه الأسماع، وتنفر عنه الطباع، فلو كان وجه الإعجاز الصرفة لصرفوا عن تعاطي ما فعلوا.
  قلت: وفي هذا الوجه نظر؛ لأن للخصم أن يقول: إنهم إنما لم يتمكنوا من الإتيان بمثله لصرفهم عن الكلام الفصيح، فمعنى الصرفة في حقهم باقٍ، على أنه قد مرَّ عن ابن المقفع وغيره أنها اعترتهم روعة عند إرادة المعارضة أوجبت تركهم إياها وهو معنى الصرفة. وأما مسيلمة فقال أبو حيان: إنه لم يقصد المعارضة، ومثله أبو الطيب المتنبي وغيرهما، وإنما ادعوا أنه نزل عليهم وحي بذلك.
  واعلم أن القول بالصرفة إنما منع منه أصحابنا لقيام الدليل على خلافه عندهم، ولتأديته إلى خروج القرآن عن كونه معجزا في نفسه، وإلا فإثبات النبوة بها وجعلها وجه إعجاز صحيح؛ لأن الله تعالى لما دعا أهل البلاغة والخطابة الذين يهيمون في كل وادٍ من المعاني بسلاطة ألسنتهم إلى معارضة القرآن، مع كونها في نفسها ممكنة ودواعيهم إليها متوفرة، ثم عجزوا ولم يتصدوا لمعارضته بحال لم يخف على أولي الألباب أن صارفاً إلهياً صرفهم عن ذلك، وذلك الصرف أمر خارق للعادة. فوجب أن يكون معجزاً، بل أي إعجاز أعظم من عجز كافة البلغاء عن معارضته مع كونها من الأمور الممكنة وتوفر الدواعي إليها.
  والجواب عن القول بأنه يدرك ولا يمكن وصفه أنه راجع إلى الفصاحة، كما صرح به السكاكي والخطابي.