تفسير قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين 23 فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار الت
  والجواب عن القول بأن وجه إعجازه اشتماله على المغيبات المستقبلة من وجوه:
  أحدها: أن ذلك لا يشمل القرآن، والتحدي واقع بكله، ولهذا قال: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}[البقرة: ٢٣] ولم يفصل بين ما فيه إخبار عن غيب وغيره، بل قال: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ}[هود: ١٣] وهذه الآية حجة قاطعة واضحة على أن التحدي إنما كان بفصاحته الخارقة.
  الثاني: أنه يلزم من هذا القول أن لا يثبت لمن كان في زمن النبي ÷ في أول الأمر العلم بنبوته ÷؛ أن وجه الإعجاز إذا كان الإخبار عن الغيوب المستقبلة فصدقها لا يعرف إلا بعد العلم بصدق المخبر بها، والعلم بصدقه لا يحصل إلا بعد النبوة وذلك دور.
  فإن قيل: بل يعرف بمشاهدة ما أخبر بوقوعه.
  قيل: إن منها ما لا يعلم إلا في الآخرة، كالإخبار بالجنة والنار، ولا تكليف علينا في الآخرة، ومنها ما هو متأخر عن وقت دعوى النبوة كغلبة الروم، ودخول المسجد الحرام، وهذا وإن علم صدقه بالمشاهدة فإنه يلزم منه أن لا تثبت الحجة على نبوته إلا بعد مدة مديدة من دعوته، والمعلوم أنها تثبت الحجة من أول البعثة.
  الثالث: أن الإخبار بالغيب جرى على لسانه ÷ في غير القرآن كقوله لعمار: «تقتلك الفئة الباغية» وقوله لعلي: «ستقاتل الناكثين والقاسطين» وغير ذلك مما لا ينحصر،