الفصل الثاني: في تحقيق مسألة أفعال العباد
  في بعض العادات لم يكن له القطع بوجوب(١) ما وجده مستمراً، بل يقف على الدليل في الحكم بوجوبه، أو جوازه.
  قلت: ويمكن أن يجاب بأنا لم ندع وجوب اختلاف العاديات، وإنما ادعينا جوازه، ودليل الجواز وقوع ذلك كما تقدم، والوقوع فرع الجواز، ويمكن الجواب عن الوجه الأول بأنا لا نسلم توقف عدل الباري على كون أفعال العباد منهم، بل على أنه عالم بالقبيح ووجه قبحه مع غناه عنه وعلمه بغناه، وكيف يتوقف على كون أفعال العباد منهم وفيها ما هو حسن، ولو فعله الباري لم يخرج به عن العدل والحكمة كالإحسان، وغاية الأمر أن بعض أفعالهم من القبائح التي لا يفعلها الباري تعالى لعلمه بقبحها، وهذا لا يتوقف عدله عليه خاصة، وإنما هو بعض القبيح الذي يتوقف العدل على العلم بجملته.
  والحاصل أن المانع من فعله سبحانه للقبيح هو علمه به وغناه عنه لا نفس القبيح، فتأمل.
  وأما الوجه الثاني: فلم يظهر للملازمة التي ذكرها وجه مع بطلان الوجه الأول وفوق كل ذي علم عليم.
  وأما الوجه الثالث: فقد تقدم أنا لا نقول بالوجوب، وقد وقفنا على الدليل فلم نحكم بجواز اختلاف العاديات إلا لوقوعه كثيراً. والله أعلم بالصواب.
  فإن قيل: قولكم إن أحدنا محدث لتصرفاته؛ لأنها تقع بحسب قصده
(١) لتجويز أن يكون ذلك للعادة المستمرة وما كان طريقه العادة فليس بواجب. تمت مؤلف.