الفصل الثاني: في تحقيق مسألة أفعال العباد
  وداعيه باطل بالساهي والنائم، فإنهما محدثان لتصرفهما وإن لم يقع بحسب داعيهما وقصدهما، بل لا داعي لهما ولا قصد، فإن قلتم إنهما غير محدثين، وجب أن لا تكون أفعالهما منهما.
  فالجواب: أما (أبو الحسين) ومن تبعه فلا يتوجه عليهم هذاالسؤال؛ لأنهم يقولون إن الساهي والنائم كاليقظان لا يفعلان الفعل إلا لداع، بناء على أصلهم من استحالة الفعل من دون داع، وأما الجمهور فقد احترزوا عن هذا الاعتراض بقولهم إما محققاً أو مقدراً، ومعلوم أن تصرفهما وإن لم يقع بحسب قصدهما محققاً فقد وقع بحسبه مقدراً؛ لأنا لو قدرنا أن لهما قصداً لكان تصرفهما بحسبه.
  وقال السيد (مانكديم): الذي يدل على أن الساهي محدِث كالعالِم هو ما قد ثبت أن فعله يقع بحسب قدرته يقل بقلتها، ويكثر بكثرتها، وعلى هذا فإنه لو كان في منتهى رجله كوز يمكنه أن يحركه، ولو كان بدل الكوز حجر عظيم لم يمكنه نقله ولا تحريكه، وأيضاً فمعلوم أن النائم وهو بالري مثلاً يعتقد أنه ببغداد، وهذا الاعتقاد جهل قبيح، فلا يخلو إما أن يكون من قبل الله تعالى، أو من قبل غيره، أو من جهته، لا يجوز أن يكون من جهة الله تعالى لأنه قبيح، ولا من جهة غيره لأن الغير إنما يعدي الفعل عن محل القدرة بالاعتماد، والاعتماد لا يولد الاعتقاد فلم يبق إلا أنه من جهته.
  وقال الإمام (المهدي): الحق عندي أن الساهي والنائم كاليقظان