الفصل الثاني: في تحقيق مسألة أفعال العباد
  في أن الفعل الكثير والكلام لا يقع عنهما إلا لداع، بخلاف الفعل اليسير الذي يصح صدوره من غير قصد، ألا ترى أن النائم إذا صدر منه كلام فإنما يكون عن رؤيا رءاها تدعوه إلى ذلك، وكذلك في أفعاله التي ليست يسيرة، فإن من النيام من يقوم ويريد الخروج لرؤيا رآها تفزعه أو تفرحه، وربما حرك الصبي فكه في نومه لاعتقاده كونه راضعاً، وربما حركت المرأة يدها كما تفعل الطاحنة لاعتقاد ذلك، وأما تحريك الأصبع ونحوه فيجوز أن يصدر لا لداع من النائم واليقظان.
  قال #: ولست أقول كقول (أبي الحسين) إن الفعل لا يصح إلا لداع، بل أقول لا فرق بين النائم واليقظان في أن الفعل الكثير إذا صدر منهما استلزم الداعي، ولا فرق بينهما في ذلك، والمجنون والنائم يقطع بصحة ذلك منهما - أعني صدور الفعل الكثير - ولا بد من باعث لهما على الفعل، فباعث النائم الرؤيا، وباعث المجنون الخيال، وأما الساهي فمن البعيد أن يصدر منه فعل كثير في حال سهوه، وإنما يصدر منه اليسير الذي يصدر مثله من اليقظان من غير داع، ولا إرادة.
  وحكى # عن (البهشمية) نحو ما تقدم من منع الداعي المحقق للساهي والنائم لنحو ما مر من امتناع كون الداعي من جهة الله تعالى، ثم قال: وأما إذا كان فاعل الاعتقاد أو الظن هو النائم بنفسه، فمهما فعل فإما أن يفتقر إلى داع، أو لا.