تفسير قوله تعالى: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها و
  عما يشوبها من المنغصات، وفي الزجر أن يكون العقاب خالصاً عن الروح والراحة، وإلاّ لَمْ يكمل الترغيب والزجر، والترغيب والزجر جاريان مجرى اللطف، والواجب في اللطف أن يكون على أبلغ الوجوه التي تدعو، ما لم يبلغ الإلجاء، فكذلك يجب في الثواب والعقاب بلما ذكرناه من أن الله تعالى وعدنا وتوعدنا بهما على جهة الترغيب والزجر، وإذا كانا كذلك لم يصح اجتماعهما في حال واحدة؛ لأن الثواب راحة خالصة فلا يحصل حال العقاب، والعقاب مضرة محضة فلا يقترن به الثواب، وإذا استحال اجتماعهما استحال استحقاق الجمع بينهما.
  فإن قيل: يمكن وصول كل واحد منهما منفرداً في وقت خالصاً من الآخر.
  قيل: لا نسلم إمكان الخلوص؛ لأن المتقدم إن كان هو الثواب كان العلم بحصول العقاب بعده منغص، وإن كان هو العقاب كان علمه بانقطاعه مروح، فلا يحصلان فثبت تنافيهما.
  فإن قيل: إن المثاب والمعاقب قد لا يجوزان انقطاع الثواب والعقاب ولا يفكران فيه، وحينئذٍ ينتفي علمهما بذلك فلا يحصل لهما تنغيص ولا راحة.
  قيل: كمال العقل يقتضي التفكير في ذلك.
  فإن قيل: لا مانع من أن يذهل الله تعالى خاطر المثاب عن الفكر فيما علمه من الألم الحاصل في المستقبل، فيشغله باللذات العظيمة عن تذكر