الفصل الثاني: في تحقيق مسألة أفعال العباد
  الثاني: قولنا وهو أنه يقع الفعل منهما لا لداع، وإن افتقر إلى داع كان الكلام فيه، فيتسلسل أو ينتهي إلى داع ضروري من جهة الله تعالى، فيكون النائم عالماً، هذا خلف فبطل أن يكون لداع.
  قال #: هكذا ذكر أصحابنا معناه، ثم قال مجيباً: فأما ما احتج به أصحابنا من أن ذلك الداعي فعل فيفتقر إلى داع، فلنا أن نجيب أن الباعث على الداعي رؤيا، وسبب الرؤيا خواطر.
  قلت: وما ذكره # هو الحق، وقد تقدم لنا التنظير على معنى ما حكاه الإمام (المهدي) # هنا، ولا أدري ما وجه جزمهم بانتفاء الداعي في حق النائم مع إثباتهم الاعتقاد له، والاعتقادات من جملة الدواعي، فقالت البهشمية: الرؤيا اعتقاد يفعله النائم ابتداءً، أو لداع من ملك، أو من شيطان.
  وقال (البلخي)(١): بل هي خواطر داعية إلى الاعتقاد من الله، أو من الشيطان، أو من الطبيعة، وقال أبو علي: منها ما يكون فكراً كمن يكثر التفكر في شيء فيعتقده حال النوم، ومنها ما يكون من الله أو من ملك، ومنها ما يكون من الشيطان نحو ما يعتقده من الشر، فهؤلاء كما ترى قد أثبتوا للنائم اعتقاداً، وجعلوا الباعث عليه أحد هذه الأسباب التي بها ينتفي التسلسل، فما المانع من أن يكون هذا الاعتقاد هو الداعي له إلى الفعل؟.
  وأما قولهم: إنها لو انتهت إلى داع ضروري من جهة الله تعالى
(١) البلخي: هو الأصولي المشهور، أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمد البلخي، المعروف بالكعبي، من كبار علماء المعتزلة، توفي سنة ٣٠٩ هـ.