مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها و

صفحة 2349 - الجزء 4

  فلا يتحابطا، بل تقاوما؛ ألا ترى أن من له على غيره مائة قنطار من الذهب ولذلك الغير على هذا حبة واحدة من الذهب فإنه يقبح من صاحب الحبة المطالبة بها مع أن الاستحقاق حاصل، فكذلك هاهنا، فإن منعتم قبح المطالبة بالحبة منعنا قبح الذم فيما ذكرتم. قال: ولأنا نعلم ضرورة أن من أعطى غيره مائة دينار، وقتل عبداً له يساوي ذلك القدر، فإن له أن يمدحه على ما أعطاه ويذمه على قتل عبده؛ فثبت أن الاستحقاقين لم يتنافيا.

  والجواب: أنا نسأله عن معنى تقاومهما، هل أراد أن كل واحدمنهما منع من وصول استحقاق الآخر؟ فهذا هو الذي أردناه بالإحباط، أم أراد أنه يستحق كل منهما ويصل إليه، فذلك باطل؛ لما مرَّ من تنافيهما؛ ثم إن القول بذلك يبطل المعارضة التي أثبتها.

  وأما قبح المطالبة من صاحب الحبة الذهب فليس ذلك إلا للمحابطة والمساقطة، فتلك الصورة حجة عليه لا له؛ ولذا قال أصحابنا: إذا استوى الدَّيْنان تساقطا.

  وأما صورة هبة المائة وقتل العبد فنقول: إن الواهب إنما استحق المدح من الموهوب له لما أوصل إليه من المنافع بما وهب، فإذا فوت عليه قدر ما وهب صار كأنه لم يهب شيئاً ولم يفوت شيئًا، فلا يستحق حينئذٍ مدحاً ولا ذماً؛ هذا الذي يعلم ضرورة، دون ما ادعيت من اجتماع الاستحقاقين.

  نعم، هو يستحق الذم على قتل العبد لقبحه، لا لتفويت منافعه؛ لأنه قد جبرها بالمائة. فهذه حجج عقلية جلية صريحة في ثبوت الإحباط.