تفسير قوله تعالى: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها و
  الوجه الثالث: أن الله تعالى كلفنا الشاق وأوجبه علينا، فلا بد من وجه لوجوبه، وليس ذلك إلا كونه يستحق العقاب بتركه؛ إذ لا يحسن التكليف لمجرد النفع كما مرَّ في مسألة استحقاق العقاب.
  الوجه الرابع: أن الموافاة إما الموت أو نحوه مما مرَّ أو العلم بأنه يوافي مطيعاً أو عاصياً، وكلا الأمرين لا يصح أن يكون مؤثراً في استحقاق العقاب؛ لأن الموت من فعل الله، والعلم لا مدخل له في التأثير في ذلك. لا يقال إنما قلنا: إن الموافاة والعلم شرط في الاستحقاق؛ لأنا نقول: الشرط لا يثبت إلا بدليل.
  الوجه الخامس: أنه قد ثبت أن أحدنا يستحق الشكر على الإحسان والذم على الإساءة وإن لم يواف بهما، فكذلك في الثواب والعقاب على الطاعة والمعصية، ثم إنه يلزم من القول بالموافاة أن لا يستحق الباري تعالى الشكر والعبادة؛ لأن الموافاة مستحيلة عليه، والشكر نظير الثواب في الاستحقاق.
  فإن قيل: إنما يلزم ذلك إذا قلنا: إن الموافاة هي الموت، ونحن لا نقول بذلك، بل المراد بها حصول العبد في الآخرة وموافاته فيها بالطاعة أو المعصية، ونحو هذه الموافاة لا يستحيل على الباري تعالى، إذ هو جلَّ وعلا موجود في الآخرة والأولى، وإحسانه إلى العبد لم يقع منه ما يبطله إلى يوم القيامة.
  قيل: فيلزمكم أن لا يكون الباري تعالى مستحقاً للشكر والعبادة إلا في الآخرة، كما أن المحسن منا لا يستحق الشكر إلا في الآخرة، وكما أن المطيع والعاصي لا يستحقان الثواب والعقاب إلا فيها.