الفصل الثاني: في تحقيق مسألة أفعال العباد
  فعلى هذا لا مانع من أن يكون داعي الظان ضرورياً، ولا ينقلب ظنه علماً؛ لأن الظن فعله، والداعي الذي هو التجويز فعل الله فلا منافاة، وأما الساهي فقد أجاب عنه الإمام (المهدي) # بما يكفي، على أن الاعتراض بهما(١) إنما يرد على عكس الدلالة ولا يجب انعكاس الدليل اتفاقاً، بل اطراده، فلا يصح هذا الاعتراض إلا لو ثبت فعل وقع بحسب قصودنا ودواعينا ولم يتعلق بنا تعلق الفعل بفاعله، فأما ثبوت محدث لم يقع فعله بحسب داعيه، فإن ذلك عكس ما دللنا عليه في المسألة، وذلك لا يقدح(٢) لأنه لا يمتنع في حكمين مثلين أن يكونا معلومين بدليلين مختلفين، كما نعرف حدوث الأجسام باستحالة انفكاكها عن الحوادث، وحدوث الأعراض بجواز العدم عليها، فكذلك هنا إذا لم يمكن العلم بأن الساهي محدث لفعله بهذه الطريقة، فلنا أن نعلمه بطريقة أخرى، فنقول: فعله يقف على قدرته يقل بقلتها، ويكثر بكثرتها كما مر، ويقف أيضاً على الأسباب الحاصلة من جهته، ولهذا فإن النائمين يتجاذبان الثوب فيستبد به أكثرهما قدرة.
  فإن قيل: قد دللتم على أن فعل الإنسان يقع بحسب قصده ودواعيه، فمن أين لكم أن ذلك يقتضي كونه المؤثر فيه دون غيره، فإن قلتم: لأنه لو كان عادياً لاختلف ففيه ما تقدم، وإن قلتم إن وقوع الشيء بحسب شيء يقتضي أنه المؤثر فيه انتقض عليكم
(١) أي بالساهي والنائم. تمت مؤلف.
(٢) لأنا إنما قلنا إن كل فعل يقع بحسب قصودنا ودواعينا فنحن المحدثون له ولم ندع العكس وهو أن كل ما لم يقع بحسب قصودنا ودواعينا فلسنا بمحدثين له فتأمل تمت منه