تفسير قوله تعالى: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها و
  والجواب: أن كل وعيد مشروط بعدم التوبة؛ لأنه وإن أطلق في آية فقد قيد في أخرى. فيحمل المطلق على المقيد، هذا معنى جواب أبي علي.
  وأما أبو هاشم فأجاب بأن الله تعالى إنما أخبر بأنه يفعل المستحق، فإذا تاب العاصي فقد خرج عن كونه مستحقاً للعقاب. فلا يلزم الكذب في الوعيد.
  والفرق بين الجوابين أن أبا علي يجعل لفظ العموم في الوعيد متناولاً لكل عاص، سواء علم من حاله أنه يتوب أم لا، ثم خص التائب بعد دخوله في ذلك العموم، وأما أبو هاشم فعنده أن الوعيد لم يتناول التائب، وأن المراد بالعموم ليس إلا غير التائب؛ هكذا ذكر الفرق بينهما الإمام المهدي، ثم قال: والتحقيق أن خلافهما في تخصيص العموم، هل هو إخراج لما كان قد دخل في الخطاب، أم بيان للمعنى المقصود بالعموم عند إطلاقه وأنه أريد به الخصوص من أول وهلة، فالأول قول أبي علي والثاني قول أبي هاشم.
  قلت: والتحقيق أن الشبهة وجوابها مبنية على أن العلم هل يصح أن يتعلق بالشيء على شرط أم لا، فقال هشام الفوطي، وحكاه في (الإحاطة) عن عباد بن سليمان: لا يجوز ذلك. وقال أبو علي: بل يجوز، وألحق بالعلم الخبر والأمر والنهي والإرادة والكراهة؛ فكل هذه يجوز أن تتعلق بالشيء على شرط، وهو الذي قواه الموفق بالله، ووافقه أبو هاشم في العلم، واختلف قوله في الخبر، فتارة قال: يجوز، وتارة منع، ولم يختلف قوله في الوعد والوعيد في أنهما لا يتعلقان بالشيء