تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  الثالث: أن المرجع بهما إلى الداعي والصارف شاهداً وغائباً، وهذا قول ابن الملاحمي، ورواه الإمام يحيى عن أبي الهذيل، والنظام، والجاحظ، وأبي القاسم، والخوارزمي.
  قال ابن الملاحمي: وهو الذي ذهب إليه سائر الشيوخ، غير أبي هاشم ومن قال بقوله.
  قلت: وفي الرواية عن أبي القاسم نظر؛ إذ المشهور عنه ما مرَّ.
  الرابع: أن المرجع بهما إلي الداعي والصارف في الغائب، وأما في الشاهد فهما مزيتان زائدتان عليهما، وهذا قول أبي الحسين، ورواه في المعراج عن الإمام يحيى.
  احتج الجمهور بأن كوننا مريدين وكارهين مزية موجودة من النفس، معلومة ضرورة، ويعلم ضرورة أن تلك المزية غير كوننا عالمين وناظرين وقادرين، وإنما يلتبس الحال في كوننا مشتهيين ونافرين، والذي يدلُّ على أنهما أمران زائدان على الشهوة والنفار أن الشهوة والنفار لا يكونان إلا حسيين، بخلاف الإرادة والكراهة، وأيضاً الشهوة والنفرة غير مقدورتين، بخلاف الإرادة والكراهة، وهما يتعديان في التعلق في جميع أجناس المدركات، والإرادة والكراهة لا يتعديان الحدوث وتوابعه في المدرك وغيره، وهما يثبتان مع السهو والنوم، ويستحيلان على الله تعالى، ولا يتعلقان إلا على التفضيل، ولا يؤثران في وقوع الفعل على وجه، بخلاف الإرادة والكراهة في ذلك كله، وأيضاً فإن أحدنا قد يريد ما لا يشتهي، كشرب الأدوية الكريهة، ويشتهي ما لا يريده كالزنا وشرب الخمر.