تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  قال الإمام المهدي: وبالطريقة التي ثبت بها كونهما زائدين على الشهوة والنفرة يثبت كونهما زائدين على الصارف والداعي؛ ألا ترى أن الجائع قد توفر دواعيه إلى الطعام، ولا يعزم على تناوله؛ لأجل كونه لغيره، أو نحو ذلك، فيجد الإنسان من نفسه الداعي الشديد ولا يجد العزم على تناوله، فإذًا الداعي غير العزم، وكذلك يجد من نفسه الانصراف عن شرب الدواء الكريه ولا يجد الكراهة لشربه، بل يجد العزم على الإقدام عليه، فالصارف غير الكراهة، وهو ما نجد من النفرة.
  وقال القرشي في إبطال قول ابن الملاحمي: إن إرادة القبيح وإرادة الحسن(١) قبيحان، بخلاف الداعي إلى القبيح، والصارف عن الحسن، حيث يكونان من قبيل المعلوم، سيما الضرورية، وأيضاً الإرادة والكراهة يتضادان، بخلاف الداعي والصارف، ولهذا يجتمعان في الطعام المسموم في حق الجائع. قال: ومن أقوى ما يمكن أن يقال له: إن داعي القديم تعالى ثابت فيما لم يزل، ومعلوم أنه غير مريد فيما لميزل، وإلا كان مريدًا لذاته، أو لعني قديم، وهو لا يقول به.
  قلت: هذا وارد على أبي الحسين.
  لكن قال الإمام عز الدين: إنه لا قطع بمنع أبي الحسين، وابن الملاحمي وصف الله تعالى بأنه مريد في الأزل؛ لذهابهما إلى أن المرجع بالإرادة والكراهة في حقه تعالى إلى الداعي والصارف،
(١) هكذا في الأصل، ولعلها (وكراهة الحسن).