مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث

صفحة 2414 - الجزء 4

  وهما راجعان إلى صفته تعالى التي هي العالمية، فأكثر ما في ذلك إثبات داعٍ له وصارف في الأزل، ولا ضير في ذلك، فإن الجمهور يثبتونهما في الأزل.

  قلت: والظاهر أن ابن الملاحمي لا يثبت الداعي والصارف في الأزل إذا كان بمعنى الإرادة والكراهة؛ لأن المحكي عنه أنه لا يجعل الداعي إرادة إلا إذا خلص عن الصوارف أو ترجح، وداعي الحكيم تعالى عنده لا يخلص إلا الفعل إلا إذا صح حدوثه⁣(⁣١) في نفسه، وذلك لا يكون في الأزل، وإلا إذا كان إحساناً ومصلحة للمكلف، وانتفت عنه وجوه القبح، وذلك أيضاً لا يتصور في الأزل.

  واحتج ابن الملاحمي، وأبو الحسين على ما ذهبا إليه بأن الإرادة والكراهة لو كانتا غير الداعي والصارف لصح أن يدعو أحدنا الداعي إلى أمر ولا يريده، ويصرفه الصارف عن أمر ولا يكرهه، والمعلوم خلافه. والجواب بالتزام ذلك كما مرَّ عن الإمام المهدي؛ لا يقال: المذكور في كلامه العزم، والعزم ليس بإرادة، ولهذا لا يجوز على الله تعالى؛ لأنا نقول: بل هو إرادة متقدمة؛ وإنما لم يجز على الله تعالى؛ لأنه عبث في حقه تعالى، وذلك أنه لا يحسن إلا لتعجيل مسرة، أو توطين النفس على المشقة.

  قال أبو علي: وللحفظ من السهو، وكل ذلك منتفٍ عن الباري تعالى، فلا يكون للعزم في حقه معني، فكان عبثاً؛ ثم إِنا لو سلمنا


(١) أي الداعي. تمت مؤلف.