تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  التلازم بين الداعي والإرادة، فإنما كان لأجل أن الداعي إلى الفعل يدعو إلى إرادته. فيفعلها صاحب الداعي، وكذلك الصارف عن الشيء يدعو إلى فعل كراهته.
  ومن حججهما ما احتج به الإمام يحيى، وهو أنا توافقنا على أنه لابُدَّ من الداعي إلى الفعل في حقه تعالى، وهو علمه باشتمال الفعل على مصلحة، ولكن زعموا أنه لا بد من أمر زائد على هذا العلم يكون تابعاً له، وهو الذي يعنونه بالإرادة، فنقول: لا يعقل كون الإرادة أمراً زائداً على الداعي، إلا أن يكون ميلاً في القلب، وتشوقاً من جهة النفس، وتوقاناً من جهتها إلى مرادها، وهذا المعنى مستحيل في حقه تعالى، ولهذا قلنا: إن معنى الإرادة في حقه تعالى ليس أمراً زائداً على مجرد الداعي، وهو علمه تعالى باشتمال الفعل على مصلحة، فإثبات أمر زائد على ما ذكرناه لا يعقل. قال #: وهذا الذي اخترناه هو مذهب الخوارزمي، وأبي الحسين.
  قلت: وهكذا قوله في الكراهة، فإنها عنده علمه باشتمال الفعل على مفسدة، ويجاب بما مرَّ من أن الفرق بين الإرادة والكراهة وبين الداعي والصارف ضروري، ومن طريقة النظر بما ذكره الإمام المهدي؛ لكنه يقال: ذلكم الفرق إنما هو في الشاهد، وأما الباري تعالى فلا يتصور في حقه غير علمه جل وعلا باشتمال الفعل على مصلحة أو مفسدة.