الفصل الثاني: في تحقيق مسألة أفعال العباد
  قلنا: ليس المطلوب أيهما بل المطلوب اللطف الذي يدعو المكلف إلى فعل الحسن وترك القبيح.
  فإن قيل: إن الله تعالى لا يخل باللطف فما فائدة طلبه؟
  قلنا: إن من الألطاف ما لا يفعله الله تعالى إلا عند الطلب، وقد نبه الله على ذلك بقوله: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}[فصلت: ٣٦] إذ المعنى فإن استعذت به أعاذك.
  واعلم أن اللطف لا يمنع الاختبار؛ لأن شرطه أن يكون المكلف معه متردد الدواعي، بحيث لا يخرجه عن كونه مختاراً ويصيره في حكم الملجأ، كما أن من خوف غيره بالقتل إن لم يحضر طعامه لا يوصف تخويفه بأنه لطف في حضور الطعام؛ لأنه حينئذٍ يحضر للإلجاء لا لحسن الفعل ووجوبه.
  قال (الرازي) بعد أن أورد شبهاً قد تضمن الجواب عنها ما ذكرناه هنا وفيما تقدم وما سيأتي: واعلم أن هذه المناظرات تدل على أنه لا حقيقه لقوله أعوذ بالله إلا أن ينكشف للعبد أن الكل من الله وبالله، وحاصل الكلام فيه ما قاله الرسول ÷: «أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من غضبك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك».
  قلت: وهذا هو ما حكيناه من التزامه كون الاستعاذة لا تكون إلا من الله تعالى، وقد حكينا لفظه بذاته، وهو كما ترى قد تضمن من سوء الأدب ما لا مزيد عليه، وصدق بإيراده ما ورد فيه وفي أصحابه