مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث

صفحة 2426 - الجزء 4

  وأما الوجه الثاني - وهو الذي في بيان الاستدلال على ثبوت هذه الصفة في حقه تعالى - فالذي يدلُّ على ذلك ما ذكرناه في الوجهين المذكورين في التنبيه الآخر من الموضع الأول، فإنه حاصل هنا؛ لأن الله تعالى أوجد كثيراً من أفعاله لأغراض⁣(⁣١) تخصها، ويستحيل أن يمنعه مانع من إرادتها، فيجب أن يريدها، ولأن جميع أفعاله واقعة على وجوه مختلفة، أما الكلام فظاهر فإنه أمر ونهي، وخبر، ووعد، ووعيد إلى غير ذلك، وأما غيره فلا يخرج فعل عن كونه نعمة أو نقمة، والنعمة لا تكون نعمة إلا مع قصد الإحسان، والمضرة لا تكون نقمة إلا إذا قصد الإضرار، وإلا لزم في الأمراض والبلاوي أن تكون نقمة ومضرة، والمعلوم خلافه، وإذا ثبت أن أفعاله تعالى تقع على الوجوه المختلفة ثبت أنه مريد؛ لأن الأفعال المختلفة لا تقع إلا من مريد كما مرَّ.

  دليل آخر: وهو أن الله تعالى قد تعبدنا بالطاعة وخلق فينا النفرة عنها، وبالكف عن المعصية وخلق فينا الشهوة لها، مع التمكين من ذلك وزوال الإلجاء، فلا بُدَّ من أن يريد منا فعل الواجب ويكره فعل القبيح، وإلا كان مغرياً بفعل القبيح وترك الواجب، وهو تعالى لا يفعل القبيح.

  ويمكن أن يجاب بأن جميع ما ذكرتموه في هذين الوجهين إنما يدل على أن الله تعالى مريد، وأن الإرادة ثابتة له، ونحن نقول


(١) وهذا دليل على كونها معلومة مقصودة. تمت مؤلف.