مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث

صفحة 2432 - الجزء 4

  فإن قيل: إرادة ما لا يقع ليست إلا تمنياً، ولا يلزم من إرادته للمرادات أن يريد المتمنيات.

  قيل: التمني عند أهل اللغة من أقسام الكلام، لا من أقسام الإرادة؛ ولذا يقسمون الكلام إلى أمر، ونهي، وتمني وغير ذلك.

  ومنها: أنه يلزم أن يكون الله تعالى مريداً لخلق العالم قبل الوقت الذي خلقه فيه، وقبل ذلك، وقبله؛ إذ لا اختصاص لذاته، ولا للمعنى القديم بوقت دون وقت.

  فإن قيل: الإرادة تتبع الداعي فلا يريد إلا ما دعاه إليه الداعي.

  قيل: لا يتأتى ذلك؛ لأن الصفة الذاتية لا تقف على أمر، فلا يقف كونه مريداً على علمه بحصول نفع للغير أو دفع ضرر عنه، وكذلك المعنى القديم لا يقف على أمر، ثم لا أن الخصم يقول بإرادة مالا يدعو إليه الداعي، وذلك أنه يريد الكفر من الكافر، ولا يدعوه إليه الداعي.

  ومنها: أنه يلزم أن يكون الله تعالى مريداً لوجود الضدين؛ لأنهما مما يصح أن يريدهما مريدان، أو مريد واحد إذا اعتقد ارتفاع التضاد بينهما، وما صح أن يكون مراداً لَنَاصَحَّ أن يكون مراداً لله تعالى؛ لأنه مريد لذاته، وإذا صح وجب، وإذا وجب وجب حصول الضدين، وحصولهما محال، فما أدى إليه يجب أن يكون محالاً.

  فإن قيل: كونه مريداً لذاته لا يلزم منه إرادة حدوث الضدين، كما أن كونه عالماً لذاته لا يلزم منه أن يكون عالماً بوجود الضدين.