تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  قيل: بين الموضعين فرق، فإن وجود الضدين في محل واحد يستحيل أن يكون معلوما لعالم واحد أو أكثر، بخلاف الإرادة فإن الضدين مما يصح أن يكونا مرادين لمريدين، بل لمريد واحد إذا اعتقد ارتفاع التضاد بينهما، كما مرَّ.
  فإن قيل: إرادة حدوث الشيء تبع للعلم به، والعلم بوجود الضدين مستحيل، فلا تصح إرادتهما.
  قيل: بل إرادة الشيء تابعة لصحة حدوثه، وصحة الحدوث ثابتة فيكل واحد من الضدين، فيصح أن يعلم الله ذلك من حال كل واحد منهما، وإذا صح ذلك صح أن يريدهما، وإذا صح وجب؛ لأن صفة الذات متى صحت وجبت؛ لما مرَّ من أنها لا تقف على أمر، فيجب حصولهما، كما ألزمناكم.
  قال السيد مانكديم: ومتى قلتم: إن على هذا يجب أن يكون القديم تعالى عالماً بوجود الضدين، وذلك محال.
  قلنا: إن مذهبكم في الإرادة يقتضي ذلك(١) ويؤدي إليه، فاتركوه كيلا يقتضيه، فلا يلزمكم ذلك(٢).
  فإن قيل: لا نسلم أن كونه مريداً لذاته يلزم منه أن يكون مريداً لوجود الضدين؛ لأن العلم بوجود الضدين في محل واحد دفعة واحدة مستحيل، وإنما يعلم أحدهما، فيما علم أنه يقع فهو مراد، وما لا فهو متمنى؛ والباري تعالى إذا كان مريداً لذاته لا يجب أن يكون متمنياً.
(١) أي يقتضي صحة إرادة الضدين. تمت مؤلف.
(٢) أي فلا يلزمكم ذلك الذي يؤدي إلي كونه تعالى عالماً بوجود المحال. تمت مؤلف.