تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  قيل: لا فرق بين ما علم أنه يقع، وما علم أنه لا يقع، في صحة الإرادة؛ ولهذا فإن أحدنا قد يريد الضدين إذا اعتقد ارتفاع التضاد بينهما، مع أن المعلوم وقوع أحدهما فقط، وكذلك فقد يريد الحلاوة والسواد في محل واحد، بحيث لا يفصل بين إرادتهما، ثم يقع أحدهما دون الآخر، وصح أنه لا فرق بين ما علم أنه يقع، وما علم أنه لا يقع في صحة إرادتهما. وأيضاً، لو كان بينهما فرق لوجب أن لا يكون النبي ÷ مريداً لإيمان أبي لهب بل متمنياً له؛ لأنه قد علم أنه لا يؤمن، وقد اتفقت الأمة على أنه مريد لإيمانه، وأيضاً التمني من أقسام الكلام، كما مرَّ، وإن اعتبرت فيه الإرادة فذلك لا يقتضي كونه إرادة، كسائر أقسام الكلام(١).
  فإن قيل: إرادة الله تعالى تعلق بالضدين على وجه يصح، وهو أن يريد وجود أحد الضدين، ويريد في الآخر أن لا يوجد.
  قيل: لا يصح تعلق الإرادة بالنفي؛ لأنها لو تعدت في التعلق من وجه الحدوث إلى ما زاد عليه ولا حاصر لوجب تعديها إلى سائر الوجوه، كالاعتقادات، فتتعلق بالقديم والماضي والباقي، وقد علم تعذر ذلك، وأما إرادة أن لا يقوم زيد فهي متعلقة بضد القيام وهو القعود، ولهذا لا يصح أن يريد من الميت أن لا يقوم لما لم يمكن منه القعود؛ ثم إنها لو تعلقت بالضدين كما ذكرتم لم يكن أحدهما بالوجود والآخر بأن لا يوجد بأولى من العكس، فيجب أن يريد وجود كل
(١) من الخبر وغيره فإنه يعتبر فيها الإرادة ولا يقال: إنها الإرادة نفسها. تمت مؤلف.