الموضع الثاني: في ذكر حجج أهل العدل
  الاستعاذة من أسباب المعاصي الموجبة للسخط كالخذلان، وترك اللطف {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ٩٩}[الأعراف].
  وأما قوله: وأعوذ بك منك، وهذه الكلمة هي موضع الشبهة فلا دلالة فيها على ما رام الاستدلال بها عليه من الجبر؛ لأنه لم يصرح بالمستعاذ لأجله، وحينئذ فهي تحتمل أحد معنيين:
  أحدهما: الاستعاذة بالله تعالى من ما يكون وقوعه بالعبد من جهة الله تعالى خاصة كالمرض، والفقر، والعسر، وتقدم موت الأحباب، وغير ذلك، وتكون هذه الاستعاذة كطلب العافية، وهذا واضح.
  الثاني: أن يكون معناها كالاستعاذة من السخط والغضب إما إظهاراً للتعبد، وإما لدفع الخذلان ونحوه، ويجوز إرادة كل من المعنيين معاً إذ لا مانع، فأما أن يكون المراد الاستعاذة بالله من أن يخلق فيه المعصية، فيأبى ذلك عدل الله وحكمته، وقد قال في آخر الحديث: «أنت كما أثنيت على نفسك» وهل نجد الله أثنى على نفسه بأنه يظلم عباده، أو يأمرهم بالقبائح، أو يخلقها فيهم، بل قال: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ٤٩}[الكهف].
فائدة [في الاستدلال بالسمع على هذه المسألة]
  قال بعض أصحابنا: الاستدلال بالسمع على هذه المسألة متعذر؛ لأنا لم نعلم القديم تعالى، وأنه عدل حكيم ولا يظهر المعجز على الكذابين لا يمكننا الاستدلال بالقرآن، وصحة هذه المسائل مبنية