تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  يقول فيه أصحابنا ما لا طريق إليه وجب القطع بنفيه، وتحو ذلك نحو: إثبات علة لا يدل عليها معلولها، أو صفة لا يكشف عنها مقتضاها ولا تدرك الذات عليها، ولا نجدها من النفس، أو وجه اعتباري لا دليل عليه؛ والدليل على امتناع تجويز ثبوت ما هذا حالهما مرَّ في المقدمةَ من تأديته إلى القدح في بعض العلوم الضرورية، وفي المكتسبة كلها؛ لأنا إذا جوزنا معارضاً قادحاً في دلالة الدليل لم نقطع بصحة دليل، ولا حصوله علم مكتسب، وإذا لم نقطع بذلك بطل العلم بإفادة النظر العلم، وما أدَّى تجويز ثبوته إلى القدح في العلوم المكتسبة والضرورية وجب القطع بانتفائه.
  فإن قيل: هذا إنما يلزم من لم يجعل النظر علوماً ضرورية يستحضرها الناظر فيعلم استلزامها للمستدل عليه، وأما مَن جعله علوماً ضرورية فلا يلزمه ذلك(١)؛ لأنه لا تجويز مع الضروري.
  قيل: قد أورد هذا أبو الحسين، والرازي وهو غير مخلص لهما من الإلزام؛ لأنهما يجوزان الغلط في تلك المقدمات على وجه لا يعلمه المستدل؛ ثم إنا نقول: لو كان كل المقدمات ضرورية لكان الغالطون مخالفين للضرورة، فيلزم أن نَصِفَهم بالسفسطة، والمعلوم خلافه وأيضاً، لو كانت ضرورية لكان استلزامها للمكتسب إما أن يكون معلوماً ضرورة لزم أن يكون المكتسب ضرورياً، أو دلالة عاد إلى مثل قولنا.
(١) أي لا يلزمه من تجويز ثبوت ما لا دليل عليه القدح في إفادة النظر العلم. تمت مؤلف.