مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث

صفحة 2446 - الجزء 4

  أجاب الرازي بأن بعض الضرورية يجوز الذهول عنها فيحصل الغلط.

  قلنا: فيلزم إذا نبهه خصمه على الغلط ولم يذعن أن نصفه بمدافعة الضرورة، والمعلوم خلافه.

  فإن قيل: إن من المجوزات التي لا يهتدي العقل إليها ما قد انكشف لنا ثبوتها بالسمع كالألطاف، فإنا لو سئلنا عنها قبل ورود الشرع لقلنا لا طريق إليها فيجب نفيها، وهذا يقدح في إفادة هذه الطريقة العلم، أعني أن ما لا طريق إليه يعلم انتفاؤه.

  قيل: لا يقدح في ذلك؛ لأنا نلتزم انتفاء ذلك، وبيانه أن اللطف إما أن يكون من فعل الله تعالى فلا لطفية فيه قبل وقوعه فلا ثبوت له حين لا طريق إليه، أو من فعلنا فلا لطفية فيه قبل أن نعلم وجوبه لأجل اللطفية؛ لأن الله تعالى لا يجوز عليه تأخير إيقاعه، وتأخير التكليف عند ثبوت اللطفية فيه، وإذا كان كذلك قطعنا أنه لا ثبوت له قبل وقوعه وقبل التكليف به، وثبت أنه لا يقدح في هذه القاعدة.

  فإن قيل: هل العلم بانتفاء ما لا دليل عليه ضروري أم استدلالي؟ وما حكم من لا يمكنه النظر في الدقائق، كالعوام؟ هل يحكم بانتفاء الطريق في حقهم فيلزم أن يكونوا عالمين بنفي الأمور التي لم يعلموا دليلاً على ثبوتها، وأن يكون المنكرون للصانع والتوحيد والنبوة عالمين بنفيها؛ لانتفاء علمهم بأدلتها؟ بل يلزم أن يكون الإنسان كلما كان أقلَّ علماً بالدلائل أن يكون أكثر علماً، وفساد هذا ظاهر.

  قيل: بل العلم به استدلالي وهو ما مرَّ من لزوم القدح في الضروري