تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  والنظري؛ وأما من لم يمكنه النظر في الدقائق فلا نحكم في حقهم بالقطع بنفي الطريق؛ لأن هذه الأمور التي لم يعلموا أدلتها مما يمكن أن يكون إليه طرِيق، بل طرقها حاصلة، وكلما أمكن أن يكون إليه طريق فقد مرَّ أنه لا يجوز القطع بنفيه، ولا بد لهؤلاء من خاطر، أو نحوه ينبههم على الطريق كما مرَّ في مسألة النظر.
  إذا عرفت هذا فنقول: قولكم بتجويز دليل على إثبات المعنى المحدث الذي زعمتوه لا نعلمه باطل؛ وبيان بطلانه بالرجوع إلى النوع الثاني وهو أن نقول: لو جوزنا ثبوت المعنى الذي هو الإرادة في حق الباري تعالى بزعمكم لعلمنا إمكان الدليل عليه، لكنه قام الدليل على نفي ذلك المعنى واستحالته، وهو ما ذكره الأئمة في الموضع الثاني، وما تقدم قريباً عن (الأساس) والسيد حميدان، وما قام الدليل على استحالته والقطع بانتفائه لا يصح قيام الدليل على ثبوته. فصح أنه لا دليل لكم على إثباته، وأنه لا يصح تجويز دليل لا نعلمه. والحمد لله.
  ولقائل أن يقول: هاهنا إشكال يرد على السيد حميدان، والإمام القاسم بن محمد، لا محيص عنه، وهو: أنهما ألزما القائلين بإثبات الإرادة معنى غير مراد إثبات فعل غير مراد، وذلك يستلزم العبث والسفه، وهذا الإلزام بعينه يرد على أصحابنا في إرادة العبد، فإن المجبرة لما استدلوا على الجبر بأن الفعل لا يقع إلا لمرجح، والمرجح من فعل الله؛ إذ لو كان من العبد لزم التسلسل