مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

الموضع الثاني: في ذكر حجج أهل العدل

صفحة 236 - الجزء 1

  على هذه المسألة، فإن إثبات المحدث في الغائب مبنية على إثبات المحدث في الشاهد؛ إذ الطريق إلى ذلك ليس إلا أن يقال: قد ثبت أن هذه التصرفات محتاجة إلينا ومتعلقة بنا، وإنما احتاجت إلينا لحدوثها، فكلما شاركها في الحدوث وجب أن يشاركها في الاحتياج إلى محدث وفاعل، وهذه الأجسام كلها محدثة، فلا بد لها من محدث وفاعل وليس إلا الله تعالى، وأما كون إثبات عدله، وحكمته، وصدقه مبني عليها؛ فلأن في أفعالنا ما هو قبيح، فلو كانت منه للزم تجويز فعل القبيح عليه تعالى، وحينئذٍ لا نثق بخبره ولا بصحة نبوة أنبيائه، فكيف يستدل عليها بالسمع والحال ما ذكرنا، وحيث وقع الاستدلال به فإنما هو لتأكيد أدلة العقل وتقريرها، وبيان أن حجج الله لا تناقض فيها، واستظهار على الخصم، وإلزام له بما يلتزمه لأنه موافق في أن السمع دليل هنا، ولأنهم كانوا يزعمون أنه لا دليل لنا في السمع، فأريناهم أن لنا في السمع من الدلائل المحكمات أكثر مما لهم من المحتملات والمتشابهات.

  قلت: ولقائل أن يقول: لا نسلم أن معرفة عدل الله وحكمته متوقفة على هذه المسألة، بل على ما هو أعم منها، وهو علمه بالقبيح وقبحه وغناه عنه، ونحن إذا علمناه بهذه الصفة علمنا أنه لا يكذب، ولا يظهر المعجز على الكذابين سواء علمنا كون أفعال العباد منهم أم لا، بل لو قيل: إنا لا نعرف كون أفعالهم منهم إلا إذا عرفنا أن فيها قبيحاً، وأن الله لا يفعل القبيح لم نبعد عن الصواب.