مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث

صفحة 2454 - الجزء 4

  فإن قيل: لم نعتمد في هذا القياس على الوجدان، وإنما اعتمدنا على العلة الجامعة، وبيان ذلك أن من الأعراض نما لا يصح وجوده إلا في محل اتفاقاً، ولا علة لذلك إلا كونه عرضاً، فيجب فيما شاركه في هذه العلة أن يشاركه في الحكم.

  قيل: لا نسلم أن العلة ما ذكرتم، ولا دليل عليه؛ بل قام الدليل على خلافه، وهو أن اشتراكهما في العرضية لا يوجب تماثلهما؛ لأن العرض اسم عام لمتماثل؛ ومختلف. كلفظ الذات، وإذا لم نوجب تماثلها بطل قولكم.

  وبعد، فإن وجود إرادة الله تعالى لم تثبت بالضرورة، وإنما ثبتت دلالة كما مرَّ، وما ثبت دلالة فكيفية وجوده تبع للدليل، فإذا كانت إرادته تعالى لم تثبت إلا دلالة فكذلك كيفية وجودها، فإذا منع الدليل من حلولها فيه سبحانه أو في غيره ثبت أنها لا محل لها؛ ولولا قيام الدليل على أن ما عدا إرادة الباري تعالى وكراهته والفناء لا يوجد إلا في محل لجوزنا وجوده لا في محل.

  قلت: وحاصل الكلام في الأعراض بالنسبة إلى حاجتها إلى المحل وعدم الحاجة إليه على ما ذكره بعض أصحابنا أنها علي ثلاثة أضرب:

  أحدها: ما يصح وجوده في محل وفي غير محل، وهو نوع الإرادة والكراهة، وذلك أنا نظرنا في الإرادة فوجدناها إذا وجدت لا في محل لم يلزم منه انقلابها عما هي عليه في ذاتها، أو إلى انقلاب غيرها؛