تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  لأن الذي يقتضيه ما هي عليه في ذاتها هو إيجاب الحكم للحي. ومضادة مضادتها وهي الكراهة، والمعلوم أن وجودها لا في محل لا يمنع من ذلك، فجاز أن يكون لا في محل؛ إذ لا مانع، وهذا القول في الكراهة.
  الضرب الثاني: ما لا يصح وجوده في محل، ويجب وجوده في غير محل وهو الفناء، وسيأتي الدليل على ذلك عند ذكر الفناء إن شاء الله.
  الضرب الثالث: ما يجب وجوده في محل ويستحيل وجوده لا فيمحل، وهو سائر الأعراض؛ وذلك لأن منها ما كان وجوده لا في محل يؤدي إلى انقلاب ذاته عما هو عليه في ذاته، ومنها ما يؤدي إلى انقلاب غيره، فالأول كالسواد والبياض، فإنهما لو وجدا في غير محلف إما أن يتضادا أو لا، إن لم يتضادا لزم خروجهما عما هما عليه في أنفسهما وهو التضاد، وإن تضادا وجب أن يكون تضادهما لمجرد وجودهما، وذلك يستلزم استحالة وجودهما معاً في العالم، والمعلوم خلافه؛ وهكذا القول في الحركة والسكون(١).
  وأما التأليف فلأن حكمه أن يحل في محلين، وذلك لما هو عليه في ذاته، فلو وجد لا في محل انقلبت ذاته، وكذلك الاعتماد؛ لأن حكمه أن يختص بجهة، فلو وجد في غير محل انقلبت ذاته، لعدم اختصاصه بجهة.
  وأما القدرة فلأن شرطها استعمال محلها في الفعل أو سببه. ونعلم ضرورة استحالة الاختراع منا، ولا علة لذلك تعقل إلا كوننا قادرين بقدرة، والوجود في المحل حكم واجب لها؛ إذ لو كان جائزاً لصح منا
(١) يعني أن وجودهما لا في محل يرفع التضاد بينهما، أو يستلزم عدم وجودهما معاً في العالم في محلين. تمت مؤلف.