المسألة الرابعة [في مسألة الإرادة]
تنبيه [في أن أفعال الله حسنة]
  ولا يكره الله سبحانه شيئاً من أفعاله؛ لأن القبيح لا يقع منه، بل أفعاله كلها حسنة، وكراهة الحسن قبيحة، وليس ممن يصح عليه الجهل بالقبيح حتى يقال: يفعل الكراهة زجراً لنفسه، وتعريفاً لها بالقبيح. كما يفعل الكراهة المتعلقة بفعل الغير، وإن كان المعلوم أن ذلك لا يقع(١).
  وهاهنا سؤال وهو أنه هل يريد كل جزء من أفعاله تعالى بإرادة مستقلة، أو يريد جملة أفعال بإرادة واحدة؟
  والجواب: أن كل جزء مستقل بالغرض الذي فعل لأجله، كالجوهر واللون والطعم، ونحوهما مما فيه غرض يخصه فإنه يراد بإرادة تخصه، وكل جزء لا يتم الغرض به إلا بانضمام غيره إليه، فإنه يراد هو وجميع ما لا يتم الغرض إلا به بإرادة واحدة، وذلك كالخبر والأمر فإنه لا يكون كذلك إلا بمجموع حروف، فإرادة جميع تلك الحروف واحدة.
  واعلم أن ما ذهب إليه القائلون بأن إرادته تعالى معنى محدث، وكذلك كراهته، من أنهما لا يرادان فهو مبني على صحة ما ذهبوا إليه من المعنى المحدث، ونحن قد تكلمنا على إبطال ثبوت ذلك المعنى بما فيه كفاية، وإذا بطل ذلك الأصل بطل ما فرعوا عليه في هذا الموضع؛ فلا يحتاج إلى النظر في كون إرادته تعالى وكراهته يحتاجان إلى إرادة أم لا، وثبت أنه لا فعل لله تعالى إلا وهو مراد.
(١) أي من الغير وإنما فعل الكراهة لما فيها من الزجر والتعريف. تمت مؤلف.