المسألة الرابعة [في مسألة الإرادة]
  وأما أفعال غيره فقد اختلف الناس فيما يريده الله، وما يكرهه منها.
  فقالت العدلية كافة: هو تعالى يريد من أفعال عباده الطاعات، ما وقع منها وما لم يقع، سواء كانت واجبة أو مندوبة، عقلية أو شرعية، ويكره القبائح كذلك؛ واختلفوا في المباح، فقال أبو علي، وأبو هاشم: لا يريده الله ولا يكرهه، وهذا في المباحات الدنياوية، وبه قال السيد مانكديم، ورد القرشي اتفاق الشيوخ على أنه تعالى لا يريد المباح في الدنيا، واختاره الإمام القاسم بن محمد.
  وقال القاسم البلخي: بل يريده، واختاره صاحب (الغياصة).
  وقالت المجبرة: بل الباري تعالى مريد لكل واقع، من أفعاله تعالى، وأفعال غيره، الحسن منها والقبيح.
  والحجة على أنه تعالى مريد للطاعات وكاره للمقبحات أنه تعالى أمر بالطاعة وحث عليها، ونهى عن القبائح وزجر عنها، والحكيم لا يأمر بما لا يريد، ولا ينهى عما يريد، وأيضاً، العبد يوصف بأنه مطيع لله بفعل الواجب والمندوب، فيجب أن يكون الله مريداً لطاعته؛ لأن المطيع هو من فعل ما أراده المطاع بدليل قوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ١٨}[غافر] أي لا يفعل ما أراده.
  وروي أن النبي ÷ ضرب بعقبه الأرض بين يدي عمه العباس، فتبع الماء، فقال له عمه: يابن أخي، إن ربك ليطيعك، فقال النبي ÷: «وأنت يا عم، لو أطعت الله لأطاعك».