مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث

صفحة 2465 - الجزء 4

  فإن قيل: هل كان المطيع هو من فعل ما أمر به الغير؟

  قيل: الأمر قد يرد والمراد به التهديد، كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}⁣[فصلت: ٤٠] فلو كان المطيع من ذكرتم للزم في العصاة أن يكونوا مطيعين بفعلهم المعصية، والمعلوم خلافه، مع أن العبد قد يكون مطيعاً بفعل ما أراده السيد وإن لم يكن مأموراً.

  والحجة على أنه تعالى لا يريد المباح ولا يكرهه أنه لا مزية لفعله على تركه، ولو أراده لرجح فعله على تركه. فيكون واجباً أو مندوباً، ولو كرهه لرجح تركه فيكون قبيحاً⁣(⁣١).

  فإن قيل: لِمّ قلتم: إنه لو أراده لرجح فعله؟

  قيل: لأن الله تعالى إنما يريد من أفعال عباده ما لفعله على تركه مزية؛ لتكون تلك الإرادة لطفاً داعياً لنا إلى فعله، ولا وجه لإرادة مالا مزية لفعله على تركه؛ لأنه إذا استوى فعله وتركه في عدم المزية لم يكن بأن يريده أولى من أن يكرهه.

  احتج أبو القاسم ومن وافقه بوجوه:

  أحدها: أن فعل المباح شاغل عن المعصية، فيكون مأموراً به ومكلفاً به، ويوصف فاعله بأنه مطيع؛ ألا ترى أن من دعاه الشيطان إلى الزنا فجامع امرأته فإنه يكون مطيعا بذلك، ويستحق المدح، وهو مباح.

  والجواب: أنا لا نسلم أن فعل المباح شاغل عن المعصية؛ لأنه ليس بنقيض لها، والشاغل عن الشيء إنما هو نقيضه؛


(١) ولا يكون مكروهاً لأن الله لا يكره المكروع، كما سيأتي. تمت مؤلف.