تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  لأنهما لا يجتمعان؛ ودليل عدم المناقضة بينهما أن بعض المباحات قد تجتمع مع المعاصي ولا تشغل منها، كالسكوت مثلاً. فإنه يجتمع مع الزنا وشرب الخمر، وقتل النفس وغير ذلك، ثم إن فعله قد يكون تركا لواجب فيلزم أن يكون منهيا عنه ومكلفًا به، ولا قائل بذلك، فما أدى إليه(١) يجب أن يكون باطلاً.
  وأما المثال الذي ذكره فإنما كان مطيعاً بترك الزنا وصرف نفسه عنه. لا بنفس مجامعة أهله.
  الوجه الثاني: أن الله تعالى قد أمر به في قوله تعالى: {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ}[المؤمنون: ٥١] ونحوها، والمعلوم أن الأمر في ذلك للإباحة، والحكيم لا يأمر بما لا يريد.
  قلت: ولأن إرادته تعالى لفعل غيره هو أمره به عند أبي القاسم، كما مرَّ في الموضع الثاني، وقد أمر بالمباح كما ترى.
  والجواب: أن متعلق الأمر والإرادة ليس طلب المباح، وإنما هو تعريفنا بأن هذا الشيء مباح، والإباحة حكم شرعي فيجب معرفتها، كسائر الأحكام الشرعية؛ إذ لا يتميز بعضها من بعض حتى يمكن العمل بمقتضاها إلا بعد معرفتها؛ فصح أن الأمر بالمباح لا يدلُّ على أن فعله مراد، وإنما هو كالخبر عنه بأنه مباح، والخبر عنه لا يدلُّ على إرادته.
  الوجه الثالث: ما ورد في الحديث عنه ÷
(١) وهو قوله: إنه شاغل عن المعصية فيكون مأموراً به. تمت مؤلف.